لإن روّج الخطاب الرسمي طويلا لصورة وردية لواقع المرأة التونسية، ولإن ضُرب بالحقوق والمكاسب الافتراضية للنساء التونسيات المثل في العالم العربي، تأتي الأرقام اليوم لتكشف الحقيقة المخزية لما تعانيه المرأة في تونس من لا عدالة وحيف اقتصادي.
تم يوم الأربعاء 22 جوان 2023، خلال ملتقى من تنظيم جمعية أصوات نساء، تقديم دراستين حول “تأثير سياسات التقشف على النساء والفئات الهشة” و”قراءة نسوية لقانون المالية 2023”.
ثبُت وفق الدراسة الأولى أن المرأة في تونس تعاني حالة من الهشاشة الاقتصادية، إذ أن 19.3% فقط من النساء يتمتعن بمواردهن الخاصة، في حين يتمتع 55.9% من الرجال بذلك. وتمتلك 3% فقط من النساء عقارا، مقابل 12% لدى الرجال. وعلى الرغم من مساهمة المرأة بنسبة 80% في الإنتاج الغذائي، ورغم أنها تمثّل 70% من اليد العاملة الفلاحيّة، إلا انها لا تشارك في المشاريع الفلاحية إلا بنسبة 3%!
واعتبرت الدراسة في مخرجاتها، أن اللامساواة الناتجة عن سياسة التقشف ليست مستقلّة عن اعتبارات النوع الاجتماعي (الجندر). ففي تحاليل النموذج الاقتصادي “النيوليبيرالي”، وهو ركيزة التقشف، لوحظ تهميش واضح لديناميكية النوع الاجتماعي.
وفي تصريحه للمدنية، أوضح أحمد المقدم المكلف بمشروع الاقتصاد النسوي بمنظمة أصوات نساء، أن سياسة التقشف تعتمدها غالبا الدول حين تعيش أزمات اقتصادية، من خلال تخفيض نفقاتها العمومية للتمكن من خلاص ديونها. وأكد أن هذه الدراسة استنتجت أن هذا الإجراء ينعكس سلبا أساسا على النساء والفئات الهشة، وأن هذه السياسة ساهمت في تفقير المرأة وتُعدّ نوعا من أنواع العنف المسلط على النساء.
وفي توصيات الدراسة، فإن الدولة التونسية مطالبة بالاستثمار في القطاع العمومي وتوفير الموارد من أجل خلق مواطن شغل للنساء، وبالتأمين على البطالة والمنحة العائلية العامة،
ومراعاة النوع الاجتماعي (الجندر) وإعطاء أهمية أكبر لحقوق الإنسان، وإدراج أعمال الرعاية في التحاليل السياسية وجٓمع المعلومات التي تقوم بها السلط الوطنية والمؤسسات المالية الدولية. كما شددت التوصيات على ضرورة تبنّي تدابير ضريبية تدريجية، مثل الضريبة على المداخيل والضريبة على الثروة وعلى الشركات، وذلك من أجل تحقيق عدالة جبائية وتمويل أعمال الرعاية.
كما أن السلط مطالبة، لضمان إنصاف جبائي، بالالتجاء بصفة أقل إلى الضريبة التنازلية غير المباشرة، مثل الأداء على القيمة المضافة وبقية الأداءات على الاستهلاك.
كما تم التشديد على ضرورة الاعتراف بأن “خدمات الرعاية دون أجر والعمل المنزلي هما من الأعمال المُضنية، والتي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار على مستوى الوطني”.
من أجل سياسة جبائية عادلة ومنصفة
ووفق ما توصّلت له الدراسة من توصيات، فإن على الدولة التونسية تبني سياسة جبائية عادلة ومنصفة لتمويل الخدمات في القطاع العمومي، ترتكز على المساهمة التي ينجزها الإفراد والمؤسسات، وذلك على غرار تبني الأداء على الثروة وعلى الممتلكات والترفيع في الاداءات على مداخيل الشركات، والزيادة في الأداءات على المواريث وإقرار أداء على مداخيل الأفراد بصفة تدريجية مع إقرار نسبة هامشية أكثر ارتفاعا. كما تم التأكيد على ضرورة مزيد الاستثمار في الموارد البشرية والمادية للإدارات لمقاومة التهرّب الضريبي بطريقه ناجعة..
ولأجل دعم العدالة الجبائية والمساواة، وجب على “أصحاب القرار السياسي التقليص من مدى الارتهان لبعض الموارد الجبائية” مما يتطلب التقليل من الضرائب المباشرة، من ذلك الأداء على القيمة المضافة وعدد من الأداءات الأخرى على الاستهلاك. إلى جانب تحديد قائمة من المواد الأساسية -ذات الأهمية الأولى في الاستهلاك- على غرار الأدوية ومواد التنظيف، وذلك بإعفائها من الأداء على القيمة المضافة..
قانون المالية.. والنساء
اعتبرت الدراسة الثانية التي تم تقديمها في هذا الملتقى، أن واجب دمج مختلف فئات النوع الاجتماعي ضمن السياسات العمومية قصد تكريس المساواة وتكافؤ الفرص بينها، يستوجب على الحكومات تبني خطط تساهم في تقليص الفجوة النوعية وإيجاد فرص عمل متكافئة وتوفير الاحتياجات المختلفة لكل فئة في المجتمع. ولأن الميزانية كانت ولا زالت الآلية الوطنية المعنية بترجمة سياسات الدولة ومختلف برامجها، وجب عند إعدادها وتنفيذها وتقييمها الحرص على إدماج منظور النوع الاجتماعي ضمنها.
وقد تم التأكيد على ذلك ضمن الفصل 18 من القانون الأساسي عدد 15 لسنة 2019 المؤرخ في 13 فيفري 2019 والمتعلق بالقانون الأساسي للميزانية حيث ورد ما يلي “يعمل رئيس البرنامج على إعداد الميزانية على أساس أهداف ومؤشرات تضمن المساواة وتكافؤ الفرص بين النساء والرجال وبصفة عامة بين كافة فئات المجتمع دون تمييز وتخضع للتقييم على ذلك الأساس”.
وأوصت الدراسة بعدم اعتبار مسألة النوع “قطاعا مثل بقية القطاعات” خاصة مع وجود إشارات في بعض الأجزاء الأخرى من الميزانية إلى تكافؤ الفرص بين الجنسين. وتم التشديد على أن التعامل مع موضوع المساواة بين المرأة والرجل والفتيان والفتيات كان وما يزال “قطاعيا لا يمكّن من تحقيق المساواة المنشودة ولا يضمن الانخراط الفاعل لمختلف القوى في ترسيخ هذه الثقافة وتحقيق النقلة المرجوة في عديد القطاعات”..